الذكاء الاصطناعي يحل عقدة “دوامة العمل المستمرة” ويعيد تشكيل ملامح بيئة العمل في السعودية

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع ADMIN
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

ADMIN

Administrator
طاقم الإدارة
كم مرة وجدت نفسك تفتح بريدك الإلكتروني في منتصف لقاء عائلي؟ أو تقاطع لحظة راحة مع الأصدقاء لترد على إشعار بسيط؟ بالنسبة لي، تكرّر هذا المشهد كثيرًا، حتى أصبح عادة لا واعية. إشعار صغير يعيدني فورًا من عالمي الخاص إلى الأجواء المهنية. إنه انعكاس حقيقي لما أصبحت عليه ثقافة العمل اليوم التي تهيمن على تفاصيل حياتنا، بحيث أصبحنا على اتصال دومًا، بلا توقف، وبلا حدود.

هذه المعضلة ليست شخصية فقط، بل أراها في حديثي اليومي مع قادة الأعمال في المملكة. نحن دائمًا “متصلون”، دائمًا نُجيب، ودائمًا نستجيب. ورغم أن التكنولوجيا زادت من إنتاجيتنا، لكنها في المقابل، سلبت منا قدرتنا على التوقف، على الانفصال، على الراحة.

هذا ما سلّط عليه الضوء تقرير مايكروسوفت الأخير، الذي تطرق في الحديث عن كيفية تفادي الانغماس في أجواء العمل التي لا تنتهي ولا تتوقف. وفي الواقع، أظهر التقرير بكل شفافية مشهدًا صريحًا لواقع العمل المعاصر، حيث الموظفون متّصلون أكثر من أي وقت مضى، لكنهم أيضًا أكثر تشتتًا، وأقل تركيزًا، وأكثر إنهاكًا.

على الصعيد العالمي، يتلقى الموظف العادي في المتوسط 117 رسالة بريد إلكتروني يومياً، وينشغل خارج ساعات العمل الرسمية مع أكثر من 50 رسالة. أما في المناطق التي تتسم بالنمو السريع مثل منطقتنا، ترتفع هذه الأرقام بشكل أكبر، حيث يبدأ 40% من الأفراد بمراجعة بريدهم الإلكتروني قبل الساعة 6 صباحًا، و30٪ يعودون للرد عليه بعد العاشرة مساءً. حتى عطلات نهاية الأسبوع لم تعد بمنأى، إذ قال نحو 20٪ إنهم يراجعون بريدهم قبل منتصف نهار يومي السبت والأحد.

المشكلة في جوهرها أننا قمنا برقمنة العمل… لكننا لم نُعد هيكلته. نستخدم أدوات أكثر ذكاءً، لكننا لا نزال نُمارس عادات عمل قديمة ضمن توقعات غير متجددة. ومن هنا بالتحديد، تنبع أهمية تبنّي “عقلية المؤسسة الرائدة”، في هذا التوقيت تحديدًا.



الشركات الرائدة لا تكتفي بالتكنولوجيا… بل تعيد تشكيل بيئة العمل بالكامل

المؤسسات الرائدة لا تكتفي باستخدام التكنولوجيا، بل تُعيد تصميم بنية العمل من جذورها. تطرح هذه المؤسسات أسئلة جريئة مثل: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُبسّط العمليات بدلاً من تعقيدها؟ كيف يمكنه تمكين الموظفين للتركيز على المهام الإبداعية ذات القيمة بدلاً من الروتينية؟ كيف يمكنه الموازنة بين الأداء والرفاهية النفسية؟

الأمر يتعلق بتغيير عقليّة. فالمؤسسة الرائدة لا تضيف الذكاء الاصطناعي فوق أنظمة قديمة، بل تُعيد ابتكار سير العمل نفسه، لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تقليص التشتت، وتعزيز التركيز، وتحقيق أداء مستدام. ولحسن الحظ، بدأنا نرى هذا التوجه يظهر بوضوح في المملكة العربية السعودية.



تطبيقات واقعية في المملكة

في مجموعة “عبيكان للاستثمار”، تبلورت هذه الرؤية من خلال منصة “O3ai”، وهي منصة مصانع ذكية طُورت باستخدام “أزور OpenAI” وتقنيات إنترنت الأشياء، وتُستخدم حاليًا في تشغيل أكثر من 20 مصنعًا في دول متعددة. تقوم “O3ai” بتحليل كميات هائلة من البيانات تساهم في التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، وتحديد مواطن الخلل في الجودة والكفاءة والهدر. وقد أسفرت النتائج عن زيادة كفاءة التشغيل بنسبة 30%، وانخفاض التكاليف بالنسبة ذاتها.

ومثال آخر يتجسد في شركة “معادن”، الرائدة في قطاع التعدين، فقد دمجت بين منصات وأدوات “مايكروسوفت 365 كوبايلوت” و “أزور OpenAI” و “كوبايلوت استيديو”، بهدف تزويد موظفيها بأدوات ذكاء اصطناعي تُعزز الإنتاجية، ودقة اتخاذ القرارت، تلخيص السياسات وكتابة المستندات، إضافة إلى خلق وكلاء آليين لإدارة المهام وأتمتة العمليات. هذا التحول وفّر على الموظفين ما يصل إلى 2200 ساعة عمل شهريًا.

أما شركة “سنابل للاستثمار”، فقد أحرزت تقدماً ملموساً في توظيف حلول الذكاء الاصطناعي ضمن بيئة العمل، بعد أن تبنّت أداة “مايكروسوفت 365 كوبايلوت”، حيث وصل عدد المستخدمين إلى 70% من الموظفين خلال فترة وجيزة لم تتجاوز شهرين. وساهم ذلك في رفع كفاءة إعداد المحتوى بنسبة 50%، من خلال تسريع إعداد الرسائل الإلكترونية وتلخيص الوثائق وبناء العروض التقديمية باستخدام الملاحظات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتُعد هذه التجربة مثالاً حيّاً على جاهزية بيئة العمل السعودية لاحتضان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقدرة مؤسساتها على الاستفادة من التقنيات الحديثة لتعزيز الإنتاجية.



نجاح التحول الرقمي يعتمد على تمكين القدرات، وليس التقنيات فقط.

رغم أهمية التكنولوجيا في مسيرة التحول الرقمي، إلا أن الشركات الرائدة تدرك أن الاستثمار في العنصر البشري هو الخطوة الأولى في أي تحول رقمي فعّال. فبناء الكفاءات وتعزيز الثقة بالمهارات الرقمية شرط أساسي للاستفادة الحقيقية من قدرات الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل الحديثة.

في مايكروسوفت، نحن ملتزمون بهذه الرسالة، ومن هذا المنطلق، أطلقنا عدداً من المبادرات بالتعاون مع جهات حكومية وشركاء محليين، بهدف تدريب 100,000 مواطن سعودي على المهارات الأساسية في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025. وتضمنت هذه الجهود إنشاء مركز تميز للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، إلى جانب تقديم برامج تدريبية وشهادات معتمدة عالميًا من أكاديمية مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع أكاديمية سدايا.

علاوة على ذلك، دشنت مايكروسوفت، بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية لتقنية المعلومات، أول أكاديمية متخصصة في مراكز البيانات على مستوى الشرق الأوسط، وذلك من داخل المملكة العربية السعودية. ويمتد البرنامج لمدة عامين، يتلقى خلالها الطلاب تدريبًا عمليًا يواكب متطلبات سوق العمل في المجالات التقنية المتقدمة. ويسهم البرنامج في إعداد الشباب لشغل وظائف تقنية ذات طلب مرتفع، إضافة إلى دعم التوجهات الوطنية نحو تنويع الاقتصاد. ولا تقتصر أهداف البرنامج على التوظيف، بل يتجاوزها إلى بناء طاقات شابة تمتلك القدرة على الابتكار والمشاركة في صناعة مستقبل عمل أكثر شمولًا واستدامة.



إعادة رسم ملامح بيئة العمل الحديثة

لم يعد يوم العمل مرهقًا كما في السابق، ففي ظل التحوّل نحو تبني الذكاء الاصطناعي وعقلية المؤسسات الرائدة، بات بالإمكان تبسيط التعقيدات التنظيمية، وتقليص المشتتات اليومية، وتهيئة بيئة عمل أكثر تركيزًا وفعالية. وتفتح هذه المقومات المجال أمام الموظفين للتعاون بمرونة، وتحقيق مستويات أعمق من التطوير الذاتي والمهني.

في خضم تحولات مشهد الأعمال في المملكة العربية السعودية، تبرز أمام قادة المؤسسات فرصة مفصلية لاختيار المسار الذي سيحدد شكل بيئة العمل في المستقبل. فبين خيار الاستمرار في تحسين السرعة وتحقيق الأهداف قصيرة الأجل، وبين السعي لتحقيق أثر طويل المدى ومستدام، تقف المؤسسات على أعتاب تغيير ثقافي جوهري. ولم يعد مقبولًا أن يمتد ضغط العمل ليشمل الأمسيات وعطلات نهاية الأسبوع، مما يستنزف طاقة الموظفين ويؤثر على حياتهم الشخصية.

ومن هذا المنطلق، تؤكد مايكروسوفت التزامها بتقديم شراكات استراتيجية تدعم المؤسسات في المملكة لإحداث هذا التغيير. فبناء شركات تتسم بالإنتاجية لا يتعارض مع بناء بيئة عمل أكثر إنسانية، حيث يُنظر إلى التوازن بين العمل والحياة كعنصر أساسي لنجاح المؤسسات على المدى الطويل. ولعلّ أحد أبرز مؤشرات هذا التحول هو أن يتمكّن الموظف، في لحظة تواجده مع أحبائه، من تجاهل بريد العمل بثقة حتى صباح الأحد.
الذكاء الاصطناعي يحل عقدة “دوامة العمل المستمرة” ويعيد تشكيل ملامح بيئة العمل في السعودية
 
عودة
أعلى