هل يطيح ال (digital divide) بشركة (فيس بوك/ميتا) من عرشها الذي استقرت عليه لما يقارب العقدين من الزمن؟

المشاغب

Administrator
بداية وقبل الإجابة عن السؤال أعلاه لنتعرف على ما هو الحاجز الرقمي أو الفجوة الرقمية (Digital Divide):
يعرف القاسم أو الحاجز الرقمي على أنه الفجوة بين المناطق الجغرافية والفئات الديموغرافية (السكانية) التي تمتلك الوصول إلى خدمات تقنيات المعلومات والاتصالات (ICT) وبين تلك الفئات والمناطق التي لم تصل إليها بعد تلك الخدمات أو وصلت بشكل محدود.

ومع ظهور وانتشار الثورة الرقمية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي بظهور أول شبكات الانترنت وانتشارها وتحولها إلى الجانب التجاري في تسعينيات القرن الماضي (بعد أن كانت محدودة للاستخدامات الأكاديمية والعسكرية فقط لما يقارب العشرين سنة)، بدأت الفجوة الرقمية بالاتساع بين دول ومناطق وسكان ومساحات تطورت بشكل سريع وتبنت تلك التقنيات والخدمات وجعلتها جزءاً لا يتجزأ من حياتها اليومية واقتصادها وسياستها وتطورها ونظرتها المستقبلية في حين بقيت دول اخرى مترددة ومتأخرة في اعتناق وتبني هذه التقنيات والاستفادة منها بشكل حقيقي مما وسّع هذه الفجوة اكثر واكثر حتى قيل انها وصلت الى 60% في الايام الاولى لانتشار جائحة كورونا حيث كان 60% من البشر البالغين حول العالم يفتقرون الى المهارات الرقمية للتعلم والعمل والدراسة والوصول الى الخدمات المهمة اونلاين.

ويجدر الاشارة الى ان شبكات اتصالات الجيل الخامس (5G) شكلت نقطة مهمة في مسيرة الخدمات الرقمية حول العالم ففي الوقت الذي كان (وما يزال) العديد من الأشخاص حول العالم غير مرتبطين بالانترنت ولا شبكات الهاتف الخلوي أو يمتلكون اتصالاً محدوداً، وفي الوقت الذي ما زالت فيه الكثير من الدول تجاهد لتوفير اتصال إنترنت وربط دولي لائق ومناسب للاحتياجات المتزايدة في هذا المجال، جاء ال (5G) ليوفر ويعد بتوفير كميات هائلة من البيانات بسرعات هائلة لمن يمتلكه ولكن هذا لم يكن بلا ثمن، وإنما بمبالغ كبيرة نسبياً للشبكات والاجهزة جعلت اعداداً اكثر واكثر من البشر تخرج خارج نطاق القدرة على توظيف شبكات الجيل الخامس للاتصالات لديها أي أنه باختصار بدل أن يساهم في ردم فجوة الحاجز الرقمي (digital divide) كما كان وما زال يروج له فأنه قد عمل بلا قصد على تعظيمها وتكبيرها وزيادتها عمقاً واتساعاً.

اذكر اننا طيلة السنوات 2017-2020 وفي كل المؤتمرات والورش والندوات العالمية التي حضرناها ومنها أبرز مؤتمرات الاتصالات (IEEE ICC, IEEE VTC, IEEE GlobeCom, IEEE DySPAN, 6G Symposium) وغيرها الكثير، كان السؤال المطروح دائماً هو: ما هي تطبيقات الجيل الخامس التي تبرر صرف كل هذه الأموال على بنيته التحتية (infrastructure) و اسعار الهواتف التي تدعمها والتي كانت وما تزال بآلاف الدولارات؟ وكان الجواب دوماً:

وكنا وما نزال ننادي بهذا الشعار حيث ان مصاديقه اكثر من ان تنكر او تهمل او يتم تجاهلها وكانت الامور تسير على ما يرام حتى ظهر الوباء (COVID-19) وعطل واخر واربك الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق وهنا بدل ان تستمر الامور كما كان متوقعاً باتجاه تبني التقنيات الجديدة والتي شجع ظهور وانتشار ال (5G) على التفكير فيها اصلاً ومنها موضوع حديثنا ال(metaverse)، أقول بدلاً من أن تسير الأمور بشكلها الطبيعي وجدنا ان الكثير من الصناعات والتقنيات واجهت كساداً وتأخراً في الحيازة على نسبة سوقية معتبرة ومناسبة للتوقعات وفي الوقت الذي كان العالم كله يترقب ويحسب الأيام يوماً بعد يوم لينتهي الوباء وتزول الجائحة وترجع الحياة الى “طبيعتها” حصلت (وما زالت تحصل) أحداث عالمية سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة ومهمة صعبت المسألة على الجميع وجعلت التفكير بالرجوع الى “الوضع الطبيعي” ضرباً من الخيال بعيد المنال.

وسط كل ما سبق خرج علينا مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي والمؤسس لشركة فيس بوك ليعلن عن تبني فكرة العالم الماورائي (metaverse) وتغيير اسم الشركة إلى (Meta) للإشارة إلى أنها بكلها تسير خلف هذه الفكرة وانطلق في احلامه الذهبية للترويج لهذه الفكرة وتوظيف الآلاف من المختصين حول العالم للعمل على بيئة عالم موازي متكامل مستفيداً من تقنيات كثيرة منها ال(blockchain, non-fungible tokens NFT, 5G, cryptocurrency …etc.) وغيرها الكثير وصرف المليارات من ثروات وأموال الشركة في هذا الاتجاه.

اليوم وبعد أكثر من عام على إطلاق فكرته وتوجهه وتوجه شركته الجديد، نرى أن شركة فيس بوك قد سرحت 11000 من العاملين فيها أو ما يقارب الـ 13% من مجموع موظفيها الكلي بعد خسائر كبيرة تكبدتها الشركة خلال السنين الماضية بدءاً من تأثير الجائحة إلى الاستجوابات الكثيرة في الكونغرس الأمريكي لمارك نفسه بناءاً على تهم تتعلق بجمع معلومات المستخدمين دون إذن منهم و استخدامها أو بيعها لشركات وجهات ممكن ان تستخدمها في التأثير على الرأي العام في بلد ما أو مكان ما وهو ما يؤدي (بحسب تلك الاتهامات) الى تغيير نتائج الانتخابات او اثارة الفوضى والثورات هنا أو هناك واخيراً ما صرفته الشركة على الميتافيرس (وما زالت) دون الاخذ بنظر الاعتبار الفجوة الرقمية التي ما زالت موجودة في العالم اليوم.


فيس بوك تحاول ردم ال digital divide:
يجدر بالاشارة الى ان شركة فيس بوك كغيرها من الشركات والمؤسسات ذات الاهتمام العالمي قد شخصت هذه الفجوة وعملت على ردمها بعدة مشاريع انطلق احدها قبل عدة سنوات كمشروع لفيس بوك لمحاولة إيصال خدمات الإنترنت الى المناطق النائية والغير مغطاة بالشبكات الارضية ولا الفضائية من خلال إطلاق طائرات تعمل بالطاقة الشمسية تحلق في الأجواء وتوفر اتصال إنترنت مستقر ولكن الفكرة لم تلبث أن فشلت واندثرت لأسباب كثيرة.

محاولات اخرى لردم الفجوة الرقمية:

اليوم هناك الكثير من الشركات التي تتنافس على ايصال خدمات الإنترنت والخدمات الرقمية الاخرى للمناطق النائية غير المشمولة بالتغطية الارضية ولا الفضائية (VSAT) ومنها شركة الملياردير الشهير إيلون ماسك (StarLink) و محاولات مماثلة من شركة كوكل وامازون ولكنها ما زالت في بداياتها ولم تحقق أهدافها كاملة بعد.

عوداً على البدء نقول: أن الاستعجال في توظيف الكثير من التقنيات بناءاً على فكرة أن الجميع سيعتنقها ويتبناها سريعاً وبلا تردد دون الاخذ بنظر الاعتبار الظروف الاقتصادية والأحداث السياسية والعسكرية المتغيرة باستمرار والفجوة الرقمية العالمية التي ما زالت موجودة قد يكون هو القشة التي قصمت (او ستقصم) ظهر شركة ميتا وأمثالها من الشركات إذا لم تتدارك الأمر وتعيد حساباتها وتخرج من مأزقها الحالي وهذا درس لكل الشركات في عالم اليوم أن يكون هدفها الأول هو ردم الفجوة الرقمية وتوفير الاتصال الآمن المستقر للجميع (أو الأغلبية على الأقل) قبل اقحام نفسها في مشاريع عملاقة تحتاج تعاون وتضافر وتفاعل الجميع.

المصدر
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى