في عصرٍ تتسارع فيه التطورات التقنية، لم يتردد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تحويل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أداةٍ جديدةٍ في حملاته السياسية والإعلامية، مستغلاً قدرته على التأثير وصناعة الصورة لتحقيق مكاسب دعائية غير مسبوقة.
بهذا الصدد، أشار تحقيق موسَّع، أجرته صحيفة نيويورك تايمز، إلى كون ترامب أحد أوائل السياسيين الذين استخدموا هذه التقنية بشكل مكثف ومنهجي لإعادة تشكيل الحدود الفاصلة بين الحقيقة والدعاية.
كشفت الدراسة استخدام ترامب محتوىً مولداً بالذكاء الاصطناعي في عشرات المنشورات عبر منصته الخاصة تروث سوشيال، ما بين صور وفيديوهات ومقاطع معدَّلة رقمياً، بهدف توجيه رسائل سياسية، وتلميع صورته، وتشويه خصومه.
استعانت الصحيفة أيضاً بأدوات تحليل متقدمة لكشف مصدر المحتوى، إلى جانب مراجعة بشرية دقيقة للتأكد من طبيعة المواد المنشورة.
أظهرت النتائج أن ترامب لم يتردد حتى في مشاركة صور وفيديوهات مزيفة، حتى عندما تكون مثيرة للجدل أو تحمل مضامين مسيئة.
حيث وجد التقرير أنه نشر، أو أعاد نشر، أكثر من ستين منشوراً مختلفاً يتضمن محتوىً مولَّداً بالذكاء الاصطناعي منذ عام 2022، ما يعكس استراتيجية واضحة تقوم على الاستخدام الدعائي لهذه التكنولوجيا.
تنوَّعت استخدامات ترامب للذكاء الاصطناعي بين تمجيد الذات والتحريض على الخصوم السياسيين، فبعض المنشورات صوَّرته ملكاً متوجاً على العرش أو بطلاً خارقاً أو حتى نجم موسيقى عالمياً، بينما أظهرت أخرى خصومه في مواقف مهينة أو مشبوهة.
ومن أبرز الأمثلة التي رصدتها الدراسة، مقطع فيديو مولَّد بالذكاء الاصطناعي يظهر رجال الأمن الأميركيين وهم يعتقلون الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما تسبب في ارتباك واسع بين المتابعين الذين ظنوا أن المشهد حقيقي.
كما شارك ترامب صوراً تُظهره على الحدود الكندية مشيراً إلى أن كندا يجب أن تكون “الولاية الأميركية الـ51″، وصوراً أخرى تُظهره وهو يفوز بجائزة نوبل للسلام أو يرتدي زي بابا الفاتيكان.
لم تتوقف الاستخدامات عند هذا الحد، إذ نشر أيضاً مقطعاً مصوراً يظهره وهو يلقي القاذورات من طائرةٍ حربيةٍ على المتظاهرين، في مشهدٍ رمزي يوحي بالاستهزاء بمعارضيه.
ورغم حذف كثيرٍ من هذه المواد لاحقاً من حسابه الرسمي، فإن المستخدمين أعادوا نشرها على نطاق واسع، ما ضاعف من تأثيرها وانتشارها الرقمي.
لم يكن هدف ترامب من توظيف الذكاء الاصطناعي دعائياً فقط، بل سياسياً أيضاً، فقد استخدم المقاطع المولدة لتصوير مستقبل الولايات المتحدة في حال فوزه أو خسارته في الانتخابات السابقة، مستعيناً بصورٍ مثيرة ومقاطع تحاكي الواقع بشكلٍ صادم.
على سبيل المثال، نشر صوراً تظهر أميركا غارقة في الفوضى والعنف إذا فازت كامالا هاريس، إذ بدت الشوارع مكتظة بالمجرمين والمشردين.
لكن أكثر المقاطع إثارةً للجدل تمثَّل في فيديو استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتصوير رؤيته لقطاع غزة بعد “تحقيق السلام”، حيث يظهر فندق فاخر يحمل اسم ترامب في قلب غزة، ويظهر فيه إيلون ماسك وشخصيات عالمية أخرى كرمزٍ لما اعتبره “الازدهار القادم”.
هذا الفيديو تحديداً أثار موجة استنكار واسعة من المدافعين عن حقوق الفلسطينيين وعددٍ من النواب الديمقراطيين الذين وصفوه بأنه مقزز ومهين، معتبرين أنه يُحوِّل معاناة الفلسطينيين إلى مشهد دعائي استعراضي يخدم طموحات ترامب الشخصية.
يُرجع الخبراء هذا السلوك إلى استراتيجية مدروسة لبث الجدل وتحقيق الانتشار، ففي تصريح لنيويورك تايمز، قال “أدريان شهباز” نائب رئيس قسم الأبحاث في منظمة فريدوم هاوس:
من جانبه، يرى خبير الذكاء الاصطناعي “هنري أجدر” أن ترامب هو أبرز شخصية سياسية في العالم توظف أدوات الذكاء الاصطناعي بوعيٍ دعائيٍّ كامل، موضحاً أن منشوراته تبدو مصممةً بعناية لتبدو واقعية بما يكفي لجذب الانتباه، ومبالغاً فيها بما يكفي لإثارة الجدل، مضيفاً:
تُحذِّر الدراسة من أن استخدام ترامب الواسع للذكاء الاصطناعي في الدعاية الانتخابية قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في التاريخ السياسي، حيث يصبح المحتوى الاصطناعي جزءاً طبيعياً من الحملات الانتخابية.
فحين يستخدم رئيسٌ الولايات المتحدة مثل هذه الأدوات على هذا النطاق، فإن ذلك يمنحها شرعية ضمنية، ويُشجِّع الآخرين على اتباع النهج ذاته.
على الجانب الآخر، يرى محللون أن هذه الظاهرة تمثل خطراً على نزاهة العملية الديمقراطية، لأن الجمهور العادي قد يجد صعوبة متزايدة في التمييز بين الحقيقي والمزيف.
ومع التطور السريع لأدوات توليد الصور والفيديوهات، تزداد احتمالية تضليل الناخبين وتوجيه الرأي العام من خلال مقاطع ملفَّقة لكنها شديدة الإقناع.
تطرح هذه التطورات سؤالاً محورياً:
يشير كثيرون إلى أن تأثيره يتجاوز حدود السياسة الأميركية، إذ قد تُسهم تجربته في تطبيع استخدام المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية حول العالم.
فبعد أن اعتبرت المقاطع المزيفة فضيحة أخلاقية لزمن طويل، باتت اليوم أداةً انتخابيةً متاحة ومغرية لأيِّ مرشحٍ يسعى إلى جذب الأنظار أو تضليل الخصوم.
وفي ظل هذا التحول المتسارع، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مبتكرة، بل أصبح سلاحاً دعائياً فاعلاً في يد السياسيين، وعلى رأسهم “ترامب” الذي لم يتردد في استغلاله حتى آخر حدود الجدل.
فيما يبقى السؤال الأعمق:
المصادر:
NYT
Time
ظهرت المقالة كيف حوَّل ترامب الذكاء الاصطناعي إلى سلاح جديد في ترسانته الدعائية؟ أولاً على بلوك تِك.
المصدر
بهذا الصدد، أشار تحقيق موسَّع، أجرته صحيفة نيويورك تايمز، إلى كون ترامب أحد أوائل السياسيين الذين استخدموا هذه التقنية بشكل مكثف ومنهجي لإعادة تشكيل الحدود الفاصلة بين الحقيقة والدعاية.
استغلال الذكاء الاصطناعي كأداة دعائية
كشفت الدراسة استخدام ترامب محتوىً مولداً بالذكاء الاصطناعي في عشرات المنشورات عبر منصته الخاصة تروث سوشيال، ما بين صور وفيديوهات ومقاطع معدَّلة رقمياً، بهدف توجيه رسائل سياسية، وتلميع صورته، وتشويه خصومه.
استعانت الصحيفة أيضاً بأدوات تحليل متقدمة لكشف مصدر المحتوى، إلى جانب مراجعة بشرية دقيقة للتأكد من طبيعة المواد المنشورة.
أظهرت النتائج أن ترامب لم يتردد حتى في مشاركة صور وفيديوهات مزيفة، حتى عندما تكون مثيرة للجدل أو تحمل مضامين مسيئة.
حيث وجد التقرير أنه نشر، أو أعاد نشر، أكثر من ستين منشوراً مختلفاً يتضمن محتوىً مولَّداً بالذكاء الاصطناعي منذ عام 2022، ما يعكس استراتيجية واضحة تقوم على الاستخدام الدعائي لهذه التكنولوجيا.
بين التبجيل الذاتي والهجوم على الخصوم
تنوَّعت استخدامات ترامب للذكاء الاصطناعي بين تمجيد الذات والتحريض على الخصوم السياسيين، فبعض المنشورات صوَّرته ملكاً متوجاً على العرش أو بطلاً خارقاً أو حتى نجم موسيقى عالمياً، بينما أظهرت أخرى خصومه في مواقف مهينة أو مشبوهة.
ومن أبرز الأمثلة التي رصدتها الدراسة، مقطع فيديو مولَّد بالذكاء الاصطناعي يظهر رجال الأمن الأميركيين وهم يعتقلون الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما تسبب في ارتباك واسع بين المتابعين الذين ظنوا أن المشهد حقيقي.
كما شارك ترامب صوراً تُظهره على الحدود الكندية مشيراً إلى أن كندا يجب أن تكون “الولاية الأميركية الـ51″، وصوراً أخرى تُظهره وهو يفوز بجائزة نوبل للسلام أو يرتدي زي بابا الفاتيكان.
لم تتوقف الاستخدامات عند هذا الحد، إذ نشر أيضاً مقطعاً مصوراً يظهره وهو يلقي القاذورات من طائرةٍ حربيةٍ على المتظاهرين، في مشهدٍ رمزي يوحي بالاستهزاء بمعارضيه.
ورغم حذف كثيرٍ من هذه المواد لاحقاً من حسابه الرسمي، فإن المستخدمين أعادوا نشرها على نطاق واسع، ما ضاعف من تأثيرها وانتشارها الرقمي.
الذكاء الاصطناعي لخدمة الرؤية السياسية والانتخابية
لم يكن هدف ترامب من توظيف الذكاء الاصطناعي دعائياً فقط، بل سياسياً أيضاً، فقد استخدم المقاطع المولدة لتصوير مستقبل الولايات المتحدة في حال فوزه أو خسارته في الانتخابات السابقة، مستعيناً بصورٍ مثيرة ومقاطع تحاكي الواقع بشكلٍ صادم.
على سبيل المثال، نشر صوراً تظهر أميركا غارقة في الفوضى والعنف إذا فازت كامالا هاريس، إذ بدت الشوارع مكتظة بالمجرمين والمشردين.
لكن أكثر المقاطع إثارةً للجدل تمثَّل في فيديو استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتصوير رؤيته لقطاع غزة بعد “تحقيق السلام”، حيث يظهر فندق فاخر يحمل اسم ترامب في قلب غزة، ويظهر فيه إيلون ماسك وشخصيات عالمية أخرى كرمزٍ لما اعتبره “الازدهار القادم”.
هذا الفيديو تحديداً أثار موجة استنكار واسعة من المدافعين عن حقوق الفلسطينيين وعددٍ من النواب الديمقراطيين الذين وصفوه بأنه مقزز ومهين، معتبرين أنه يُحوِّل معاناة الفلسطينيين إلى مشهد دعائي استعراضي يخدم طموحات ترامب الشخصية.
لماذا يفعل ترامب ذلك؟
يُرجع الخبراء هذا السلوك إلى استراتيجية مدروسة لبث الجدل وتحقيق الانتشار، ففي تصريح لنيويورك تايمز، قال “أدريان شهباز” نائب رئيس قسم الأبحاث في منظمة فريدوم هاوس:
يعتمد ترامب على المقاطع المثيرة للجدل لأنها تنتشر بوتيرةٍ مضاعفة، إذ يتداولها المؤيدون والمعارضون على حد سواء، ما يضمن انتشار رسالته بغض النظر عن طبيعتها.
من جانبه، يرى خبير الذكاء الاصطناعي “هنري أجدر” أن ترامب هو أبرز شخصية سياسية في العالم توظف أدوات الذكاء الاصطناعي بوعيٍ دعائيٍّ كامل، موضحاً أن منشوراته تبدو مصممةً بعناية لتبدو واقعية بما يكفي لجذب الانتباه، ومبالغاً فيها بما يكفي لإثارة الجدل، مضيفاً:
إنها منشورات مزيفة بوضوح، لكنها تحمل رسائل سياسية حقيقية تُزرع في وعي الجماهير بشكلٍ خفي.
تأثير واسع ومخاوف عميقة
تُحذِّر الدراسة من أن استخدام ترامب الواسع للذكاء الاصطناعي في الدعاية الانتخابية قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في التاريخ السياسي، حيث يصبح المحتوى الاصطناعي جزءاً طبيعياً من الحملات الانتخابية.
فحين يستخدم رئيسٌ الولايات المتحدة مثل هذه الأدوات على هذا النطاق، فإن ذلك يمنحها شرعية ضمنية، ويُشجِّع الآخرين على اتباع النهج ذاته.
على الجانب الآخر، يرى محللون أن هذه الظاهرة تمثل خطراً على نزاهة العملية الديمقراطية، لأن الجمهور العادي قد يجد صعوبة متزايدة في التمييز بين الحقيقي والمزيف.
ومع التطور السريع لأدوات توليد الصور والفيديوهات، تزداد احتمالية تضليل الناخبين وتوجيه الرأي العام من خلال مقاطع ملفَّقة لكنها شديدة الإقناع.
هل يصبح ترامب مُلهِم عصر الدعاية بالذكاء الاصطناعي؟
تطرح هذه التطورات سؤالاً محورياً:
هل يكون دونالد ترامب هو الشخصية التي تدفع بالعالم إلى عصر الدعاية المصطنعة بالذكاء الاصطناعي؟
يشير كثيرون إلى أن تأثيره يتجاوز حدود السياسة الأميركية، إذ قد تُسهم تجربته في تطبيع استخدام المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية حول العالم.
فبعد أن اعتبرت المقاطع المزيفة فضيحة أخلاقية لزمن طويل، باتت اليوم أداةً انتخابيةً متاحة ومغرية لأيِّ مرشحٍ يسعى إلى جذب الأنظار أو تضليل الخصوم.
وفي ظل هذا التحول المتسارع، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مبتكرة، بل أصبح سلاحاً دعائياً فاعلاً في يد السياسيين، وعلى رأسهم “ترامب” الذي لم يتردد في استغلاله حتى آخر حدود الجدل.
فيما يبقى السؤال الأعمق:
هل يستطيع العالم الديمقراطي ضبط هذا السلاح الجديد قبل أن يتحوَّل إلى أداةٍ لتزييف الوعي الجماعي؟
المصادر:
NYT
Time
ظهرت المقالة كيف حوَّل ترامب الذكاء الاصطناعي إلى سلاح جديد في ترسانته الدعائية؟ أولاً على بلوك تِك.
المصدر
مواضيع مشابهة
اخر المواضيع